9 - 8 - 2019 | #1 |
سكان خواطر
|
هل ثبت في النصوص أن مكة المكرمة هي مركز الأرض
- القرآن وعلومه » تفسير القرآن.
102590: هل ثبت في النصوص أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ؟ سَمعتُ بأنّ مكة المكرمة مركزُ الأرضِ . هَلْ ذلك حق ؟ الحمد لله دراسة هذه المسألة تتفرع إلى جانبين اثنين : الجانب الشرعي ، وذلك للبحث عن الأدلة من القرآن والأحاديث والآثار الواردة في هذا الموضوع . والجانب العلمي : للنظر في الأبحاث العلمية والبراهين الحسية التي تبين القضية . أولا : أما الجانب الشرعي فقد قال بعض أهل العلم : إن في القرآن الكريم إشارات إلى هذه النظرية ، وفي السنة النبوية وآثار السلف تصريحٌ بها . أما إشارات القرآن ففي قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً ) البقرة/143 ، لأن الآية في معرض الأمر باتخاذ الكعبة قبلة ، فكأن معنى الآية : كما كانت الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أنتم أمةً وسطا بين الأمم . يقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/153) : " المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أمة وسطا " انتهى . ولكن هذا واحدٌ من وجوه ستة يذكرها المفسرون في طرفي التشبيه في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم ) ، لعل أظهرها ما ذكره ابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/141) : " كما هديناكم - أيّها المؤمنون - بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وبما جاءكم به من عند الله ، فخصصناكم بالتوفيق لقِبلة إبراهيم وملته ، وفضلناكم بذلك على مَن سِواكم مِن أهل الملل ، كذلك خصصناكم ففضَّلناكم على غيركم مِن أهل الأديان ، بأن جعلناكم أمة وسطًا " انتهى . وانظر : "تفسير القرآن العظيم" (1/454) ، "مفاتيح الغيب" (2/387) ، "الدر المصون" (2/134) . وأيضا هناك إشارة في قوله عز وجل : ( وَهَـَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مّصَدّقُ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ وَمَنْ حَوْلَهَا ) الأنعام/92 فقال بعض العلماء : إنما سميت مكة " أم القرى " لأنها أصل قرى الأرض كلها ، ومنها دحيت الأرض ، فهي لذلك وسط الأرض . بل قال بعض أهل العلم : إن في تسميتها " مكة " إشارة إلى أنها مركز الأرض ووسطها : يقول الراغب الأصفهاني في "مفردات القرآن" (1/470 – 471) : " مكك : اشتقاق مكة من تمكَّكْتُ العظم : أخرجت مخه ، وامتكَّ الفصيلُ ما في ضِرع أمه ، وعبَّر عن الاستقصاء بالتمكُّكِ . وتسميتها بذلك لأنها كانت تَمُكُّ مَن ظلم بها : أي تدقُّه وتهلكه . قال الخليل : سميت بذلك لأنها وسط الأرض ، كالمخ الذى هو أصل ما في العظم " انتهى . وانظر "مفاتيح الغيب" (4/310) حيث ذكر في اشتقاق مكة وجوها أخرى كثيرة . فالحاصل أن القرآن الكريم لا يتضمن نصًّا ولا دلالةً أو إشارةً ظاهرة بأن مكة المكرمة أو الكعبة المشرفة تقع في مركز الأرض ووسطها ، وما ورد في ذلك لا يعدو كونه إشارات محتملة وإيماءات بوجه مشتبه . ثانيا : أما الأحاديث النبوية المرفوعة ، فقد حاولنا جمعها بالاستقصاء من كتب السنة ، كي نقف على جميع طرقها ورواياتها ، فلم نجد إلا حديثا واحدا مرفوعا في هذا الباب ، وهو ما جاء : عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ، ثم مدت منها الأرض ، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض " أبو قبيس " ، ثم مدت منه الجبال ) . قال المناوي في "فيض القدير" (3/108) : " ( ثم مُدَّت ) بالبناء للمجهول أي : بسطت . ( منها الأرض ) : من سائر جوانبها ، فهي وسط الأرض وقطبها " انتهى . لكن الحديث : رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/341) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/431) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (1/1/11) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/31) وعزاه السيوطي في "الجامع" (9603) إلى الحاكم في تاريخه . كلهم من طريق : سليمان بن عبد الرحمن : نا عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي نا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً . وهذا الحديث معل بجهالة عبد الرحمن بن علي ، وبوقف الرواية على عطاء أو مجاهد من قولهم . وعبد الرحمن بن علي بن عجلان الدمشقي هذا : روى عن ابن جريج وعن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وروى عنه سليمان بن عبد الرحمن وعمرو بن عثمان الحمصي وابن بنته شيبة بن الوليد . لم يرد توثيقه إلا عن سليمان بن عبد الرحمن الراوي عنه ، نقله عنه ابن عساكر في ترجمته في "تاريخ دمشق" (35/133) ، غير أن سليمان هذا – وهو أبو أيوب الدمشقي – متكلم فيه ، أخذوا عليه كثرة روايته عن المجهولين . قال فيه ابن معين : ثقة إذا روى عن المعروفين . وقال ابن حبان : يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات المشاهير ، فأما إذا روى عن المجاهيل ففيها مناكير . انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" (12/26) ، لذلك لم يعتبر أهل العلم توثيق سليمان بن عبد الرحمن لبعض من يروي هو عنهم ، فذكر العقيلي عبد الرحمن بن علي بالجهالة ، وأعل حديثه بالوقف على عطاء أو مجاهد ، وروى ذلك بالأسانيد إليهم ، فقال في ترجمته في "الضعفاء" (2/341) : " مجهول بنقل الحديث ، حديثه غير محفوظ إلا عن عطاء من قوله ، مجهول بالنقل ... حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا الحارث بن زياد الجعفي قال سمعت عطاء بن أبى رباح قال : أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس . وحدثنا أبو يحيى بن أبى مسرة قال حدثني أبى قال حدثنا سعيد بن سالم المقداح عن ابن جريج عن مجاهد قال : أول لمعة من الأرض موضع البيت مدت الأرض منها . قال أبو جعفر : هذه الرواية أولى " انتهى باختصار . كما أنه ورد نحو هذا الحديث من قول ابن عباس رضي الله عنه كما سيأتي ، وهو ما يبين وهم من رفع الحديث . وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/5881) ثالثا : قد ورد في آثار الصحابة والتابعين روايات كثيرة تدل على أنهم كانوا يرون وسط الأرض في مكة المكرمة : 1- جاء من قول عبد الله بن عمرو بن العاص : " خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدةً بيضاء ، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة ، فدحيت الأرض من تحته " رواه الطبري في "تفسيره" (6/20) بسند رواته ثقات . وعزاه في الدر المنثور" (2/265) لابن المنذر والطبراني والبيهقي في "الشعب" . 2- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : " وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت ". رواه الطبري في تفسيره (3/61) بسند لا بأس به . 3- وورد من كلام أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " خُلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة . قالوا : كيف خلقت قبل وهي من الأرض ؟ قال : كانت حشفة – يعني : جزيرة - على الماء ، عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة ، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها ، فجعلها في وسط الأرض " عزاه في "الدر المنثور" (1/115) إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم . وقد وقفت على سنده في "مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى" لأبي عبد الله الدقاق (ص/287) وفي "أمالي ابن بشران" (2/204) وفيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني ترجمته في "تهذيب التهذيب" (10/422) وأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه . أما عن التابعين : فقد جاء عن مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم نحو هذا الكلام ، كما عند ابن أبي حاتم والطبري في تفسيريهما ، وكذا في مصنف عبد الرزاق (5/90) ، ومن الكتب التي توسعت في نقل هذه الأخبار : "أخبار مكة" للأزرقي ، و "أخبار مكة" للفاكهي . وهذه الآثار مما تحتمل أن يكون لها حكم الرفع ، وتحتمل أيضا أن تكون منقولة عن أهل الكتاب ، فإن كتبهم مليئة بأخبار خلق السماوات والأرض وبدء الخليقة . يؤيد ذلك ورود الأثر السابق عن كعب الأحبار ، كما يرويه عنه عبد الرزاق في "المصنف" (5/95) أنه قال : " كان البيت غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى الأرض بأربعين عاما ، ومنه دحيت الأرض " انتهى . كما ورد عن قتادة رحمه الله – في "فضائل الصحابة" للإمام أحمد (2/901) – أن صخرة بيت المقدس هي وسط الأرض . وذلك ما قد يشعر بأن الأمر مأخوذ عن أخبار متضاربة عن أهل الكتاب . رابعا : فالحاصل مما سبق أنك لا تجد دليلا ظاهرا يقوى للدلالة على أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ، ولكن الإشارات التي ذكرناها في بعض النصوص ، على ما فهمه منها بعض أهل العلم ، وما جاء في الآثار السابقة ، تشعر بأن لهذه الكلام أصلا ، وهي قرائن ترجح قول من قال ذلك ، ما لم يظهر خلافها بالأدلة العلمية الصحيحة . خامسا : أما من الناحية العلمية ، فنحن لسنا من أهل التخصص في علوم الأرض و " الجغرافيا " ، فلزم أن نقف في البحث عند هذا الحد ، ولكن نحيلك على بعض المتخصصين من أهل العلم الذين بحثوا في هذا الأمر ، وتوصلوا إلى أن مكة المكرمة هي مركز الأرض ووسطها ، فلعل في أبحاثهم العلمية ما يقوي هذا الجانب ، مع إبقاء الأمر تحت دائرة البحث والنظر ، وهو في غايته أمر اجتهادي قابل للصواب والخطأ . انظر : بحث : " إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة " د . حسين كمال الدين أحمد : " مجلة البحوث الإسلامية " – الرياض – (2/292) وبحث " الإسقاط المكي للعالم " د . حسين كمال الدين أحمد : "مجلة البحوث الإسلامية" – الرياض – (6/225) الإسلام سؤال وجواب المصدر: مملكة خواطر العشاق - من قسم: مملكة القران الكريم |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|